** ورد عند القرطبي
قوله تعالى : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ "
* قوله تعالى :" الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ" ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطّلاق عدد ، وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة ، وكان هذا في أول الإسلام برهة ، يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل من طلاقه راجعها ما شاء ، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا آويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مُضِيُّ عِدَّتِكِ رَاجَعْتُكِ . فشكت المرأة ذلك إلى عائشة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي ، ونسخ ما كانوا عليه . قال معناه عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم.
* وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم : المراد بالآية التعريف بسُنّة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة ، فإما تركها غير مظلومة شيئاً من حقها ، وإما أمسكها مُحسنا عشرتها ، والآية تتضمن هذين المعنيين .
* الطّلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة . والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها ، وبقوله عليه السلام في حديث ابن عمر : فإن شاء أمسك وإن شاء طلّق وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها ، خرجه ابن ماجه . بن المنذر : وليس في المنع منه خبر يثبت.
* روى الدارقطني عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، قال الله تعالى : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ " فلم صار ثلاثا ؟ قال : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " - في رواية - هي الثالثة ... ذكره ابن المنذر.
* قال أبو عمر : وأجمع العلماء على أن قوله تعالى : "أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين ، وإياها عُنِىَ بقوله تعالى :"فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" . وأجمعوا على أن من طلّق امرأته طلقة أو طلقتين فله مراجعتها ، فإن طلّقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وكان هذا من محكم القرآن الذي لم يُختلف في تأويله .
* عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " فأين الثالثة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " . ورواه الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله .
* وذكر الْكِيَا الطبري هذا الخبر وقال : إنه غير ثابت من جهة النقل ، ورجّح قول الضحاك والسدي ، وأن الطلقة الثالثة إنما هي مذكورة في مساق الخطاب في قوله تعالى : "فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" . فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب ، مفيدة للبينونة الموجبة للتحريم إلا بعد زوج
* قال القاضي أبو الحسن : صريح ألفاظ الطلاق كثيرة ، وبعضها أبين من بعض : الطلاق والسراح والفراق والحرام والخلية والبرية . وقال الشافعي : الصريح ثلاثة ألفاظ ، وهو ما ورد به القرآن من لفظ الطلاق والسراح والفراق ، قال الله تعالى : "أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" ، وقال : "أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" وقال : " فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" .
قلت : ، وإذا تقرر هذا فالطلاق على ضربين : صريح وكناية ، فالصريح ما ذكرنا ، والكناية ما عداه ، والفرق بينهما أن الصريح لا يفتقر إلى نية ، بل بمجرد اللفظ يقع الطلاق ، والكناية تفتقر إلى نية ، والحجة لمن قال : إن الحرام والخلية والبرية من صريح الطلاق كثرة استعمالها في الطلاق حتى عُرفت به ، فصارت بيّنة واضحة في إيقاع الطلاق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا للاهتمام والمتابعة