السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

رسالة ترحيب

الثلاثاء، 2 فبراير 2021

ماهي الشَّفَاعة المَنفِيَّة ؟

عن أنسِ بنِ مَالكٍ، قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم"أنا أكثرُ الأنبياءِ تبعًا يومَ القيامةِ، وأنا أوَّلُ من يقرعُ بابَ الجنَّةِ"... رواه مسلم 
----------
ماهي الشَّفَاعة المَنفِيَّة ؟
*  يقول العلماء أن الشَّفَاعة المَنفِيَّة في الدنيا هي التي تُطلب من غير الله فيما لايقدر عليها إلا الله 
، والشَّفَاعة المَنفِيَّة في الآخرة : التي لم يأذن  بها الله فلا شفاعة إلا بإذن الله ورضاه ، ولا شفاعة لأهل الشِّرك كما ورد في القرآن الكريم 
* يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : الشَّفَاعَة المنفية في القرآن : كقوله تعالى : " وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ " . وقوله تعالى " وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ " وقوله : " مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ " وقوله : " فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ، وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ "  وقوله : " مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ " . وقوله : " يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ" وأمثال ذلك .
واحتج بكثير منه الخوارج والمعتزلة على منع الشَّفَاعَة لأهل الكبائر إذ مَنعوا أن يُشفَع لمن يستحق العذاب أو أن يخرج من النار من يدخلها ولم يَنفُوا الشَّفَاعَة لأهل الثواب في زيادة الثواب ، ومذهب سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة : إثبات الشَّفَاعَة لأهل الكبائر والقول بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، وأيضا : فالأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة : فيها - استشفاع أهل الموقف ليقضى بينهم وفيهم المؤمن والكافر وهذا فيه نوع شفاعة للكفار ،  ففي الصحيح : عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : يا رسُول اللَّه هَلْ نَفَعْت أبا طالِب بشَيْء ؟ فإِنَّهُ كان يَحُوطكَ ويَغضب لَك ، قال : "نَعَمْ هُوَ فِي ضِحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ " .. رواه مسلم
* وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذُكر عنده عمّه أبو طالب فقال :"  لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضِحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ ".. رواه البخاري ، فهذا نص صحيح صريح لشفاعته في بعض الكفار أن يخفف عنه العذاب بل في أن يجعل أهون أهل النار عذابا كما في الصحيح أيضا عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ " ... رواه مسلم
*وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا " 
* وهذا  يضعف جواب من تأوَّل نفي الشَّفَاعَة  على الشَّفَاعَة  للكفار وإن الظالمين هم الكافرون ، فيقال : الشَّفَاعَة المنفية هي الشَّفَاعَة المعروفة عند الناس عند الإطلاق وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته فأما إذا أُذن له في أن يشفع فشفع ، لم يكن مستَقِلا بالشَّفَاعَة بل يكون مطيعا له أي تابعا له في الشَّفَاعَة وتكون شفاعته مقبولة ويكون الأمر كله للآمر المسئول .
*وقد ثبت بنص القرآن في غير آية : أن أحدا لا يشفع عنده إلا بإذنه . كما قال تعالى : " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ " وقال : " وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ " وقال : " وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى " وأمثال ذلك . والذي يبين أن هذه هي الشَّفَاعَة المنفية : أنه قال : " وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " وقال تعالى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ " فأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع .
* وأما نفي الشَّفَاعَة بدون إذنه : فإن الشَّفَاعَة إذا كانت بإذنه لم تكن من دونه كما أن الولاية التي بإذنه ليست من دونه ; كما قال تعالى : " إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" . وأيضا فقد قال :" أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ " ، " قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " ، فذَمّ الذين اتخذوا من دون الله شفعاء وأخبر أن لله الشَّفَاعَة جميعا ; فعلم أن الشَّفَاعَة منتفية عن غيره إذ لا يشفع أحد إلا بإذنه وتلك فهي له .
* وقد قال : " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " . ومما يوضح ذلك : أنه نفى يومئذ الخلة بقوله : " مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ " ومعلوم أنه إنما نفى الخلة المعروفة ونفعها المعروف كما ينفع الصديق الصديق في الدنيا كما قال : "  وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ،ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ " وقال : "  لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ  " . لم ينف أن يكون في الآخرة خلة نافعة بإذنه فإنه قد قال : " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ " 
* وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : " حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ " ، ويقول الله تعالى : " أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي " . فتعين أن الأمر كُله عائد إلى تحقيق التوحيد وأنه لا ينفع أَحَد ولا يضُر إلا بإذن الله وأنه لا يجوز أن يعبد أحد غير الله ولا يستعان به من دون الله وأنه يوم القيامة يظهر لجميع الخلق أن الأمر كله لله ويتبرأ كل مدع من دعواه الباطلة فلا يبقى من يدعي لنفسه معه شركا  في ربوبيته أو إلهيته ولا من يدعي ذلك لغيره بخلاف الدنيا ; فإنه وإن لم يكن رب ولا إله إلا هو فقد اتخذ غيره ربا وإلها وادَّعَى ذلك مُدَّعُونَ .
وفي الدنيا يشفع الشَّافع عند غيره وينتفع بشفاعته وإن لم يكن أذن له في الشَّفَاعَة ويكون خليله فيعينه ويفتدي نفسه من الشر فقد ينتفع بالنفوس والأموال في الدنيا ، النفوس ينتفع بها تارة بالاستقلال وتارة بالإعانة وهي الشَّفَاعَة ، والأموال بالفداء فنفى الله هذه الأقسام الثلاثة . قال تعالى :" لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ " وقال : "  لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ " كما قال : "  لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ". فهذا هذا والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا للاهتمام والمتابعة

اذهب لأعلى الصفحة