السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

رسالة ترحيب

الأربعاء، 17 يوليو 2019

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ .. ماهو النَّسِيء ؟

**يذكر الطبري في تفسيره
في قوله تعالى :  "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" سورة براءة 
(*) النَّسِيء بالهمزة معناه الزيادة نسأ ينسأ إذا زاد. 
وكل زيادة حدثت في شيء ، فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه : "نَسِيء" .
(*) وقد حكي عن الحسن البصري : " يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا" ، بمعنى : يضل بالنَّسِيء الذي سَنَّه الذين كفروا ، الناس . 
(*) عن ابن عباس قوله : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" ، قال : النَّسِيء ، هو أن  جنادة بن عوف بن أمية الكناني ، كان يوافي الموسم كل عام ، وكان يكنى  أبا ثمامة  ، فينادي : "ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب ، ألا وإن صَفَر العام الأول العام حلال" ، فيحله الناس ، فيحرم صَفَر عاما ، ويحرِّم المُحرَّم عاما ، فذلك قوله تعالى : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ " ، إلى قوله : " الْكَافِرِينَ " . وقوله : "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ "، يقول : يتركون المُحرَّم عاما ، وعاما يُحَرِّمُونه .
(*) عن ابن عباس : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" ، قال : فهو المُحرَّم ، كان يحرم عاما ، وصَفَر عاما ، وزيد صَفَر آخر في الأشهر الحُرُم ، وكانوا يحرمون صَفَرا مرة ، ويحلونه مرة ، فعاب الله ذلك . وكانت هوازن وغطفان وبنو سليم تفعله . 
(*) عن منصور ، عن أبي وائل : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ " ، قال : كان "النَّسِيءُ" رجلا من بني كنانة ، وكان ذا رأي فيهم ، وكان يجعل سنة المحرم صفرا ، فيغزون فيه ، فيغنمون فيه ، ويصيبون ، ويحرمه سنة . 
(*) عن مجاهد قال : كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام في الموسم على حمار له ، فيقول : "أيها الناس ، إني لا أعاب ولا أحاب ، ولا مرد لما أقول ، إنا قد حرَّمنا المُحرَّم ، وأخَّرْنا صَفَر" ، ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته ، ويقول : "إنا قد حرَّمنا صَفَر وأخَّرنا المُحرَّم" ، فهو قوله : " لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " ، قال : يعني الأربعة " فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ" ، لتأخير هذا الشهر الحرام . 
(*) عن سعيد ، عن قتادة : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ " ، إلى قوله : "الْكَافِرِينَ " ، عمد أناس من أهل الضلالة فزادوا صَفَرا في الأشهر الحُرُم ، فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول : "ألا إن آلهتكم قد حرَّمَت العام المُحرَّم" ، فيحرِّمُونه ذلك العام ، ثم يقول في العام المقبل فيقول : "ألا إن آلهتكم قد حرَّمَت صَفَر" ، فيُحرِّمُونه ذلك العام . وكان يقال لهما "الصَفَرَان" . قال : فكان أول من نسأ النَّسِيء : بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة : أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني فقيم بن الحارث ، ثم أحد بني كنانة. 
(*) عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" ، قال : فرض الله الحج في ذي الحجَّة . قال : وكان المشركون يسمون الأشهر : ذو الحجّة ، والمُحرَّم ، وصَفَر ، وربيع ، وربيع ، وجُمادى ، وجُمادى ، ورجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة  يحجُّون فيه مرة ، ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه ، ثم يعودون فيسمون صَفَر :صَفَر ، ثم يسمون رَجَبًا :جمادى الآخرة ، ثم يسمون شعبان ورمضان ، ثم يسمون رمضان :شوَّالا ثم يسمون ذا القعدة :شوَّالا ثم يسمون ذا الحجَّة :ذا القعدة ، ثم يسمون المحرم :ذا الحجَّة ، فيحجون فيه ، واسمه عندهم ذو الحجَّة ، ثم عادوا بمثل هذه القصة ، فكانوا يحجُّون في كل شهر عامين ، حتى وافق حجَّة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة ، ثم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم حجته التي حج ، فوافق ذا الحجَّة ، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض "
(*) عن حصين ، عن أبي مالك : " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" ، قال : كانوا يجعلون السَّنة ثلاثة عشر شهرا ، فيجعلون المُحرَّم صَفَرا ، فيستحلون فيه الحُرُمات ، فأنزل الله : "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ"
 (*) عن ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله :"إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا" الآية . قال : هذا رجل من بني كنانة يقال له : " القلمس " ، كان في الجاهلية . وكانوا في الجاهلية لا يُغِير بعضهم على بعض في الشَّهر الحَرَام ، يلقى الرجل قاتل أبيه فلا يمد إليه يده ، فلما كان هو ، قال : "اخرجوا بنا" ، قالوا له : "هذا المُحرَّم"! فقال : "ننسئه العام ، هما العام صَفَرَان ، فإذا كان عام قابل قضينا ، فجعلناهما محرَّمَيْن" . قال : ففعل ذلك ، فلما كان عام قابل قال : "لا تغزوا في صَفَر ، حرَّمُوه مع المُحرَّم ، هما محرَّمان ، المُحرَّم أنسأناه عاما أول ونقضيه‍ا ذلك "الإنساء" ، وقال منافرهم : ومنا منسي الشهور القلمس 
وأنزل الله : "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ" إلى آخر الآية . 
** وذكر القرطبي
(*) وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا احتاجوا إلى ذلك حرَّموا صَفَراً  بدله ، وقاتلوا في المُحرَّم. وسبب ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها ، وقالوا : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نصيب فيها شيئا لنَهْلَكن. 
فكانوا إذا صدروا عن منى يقوم من بني كنانة ، ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس ، فيقول أنا الذي لا يرد لي قضاء. فيقولون : أنسئنا شهرا ، أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر ، فيحل لهم المحرم. فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السَّنة كلها. 
فقام الإسلام وقد رجع المُحرَّم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه. وهذا معنى قوله عليه السلام : "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض"
(*) وقال مجاهد : كان المشركون يحجُّون في كل شهر عاميْن ، فحجوا في ذي الحجَّة عاميْن ، ثم حَجُّوا في المُحرَّم عاميْن ، ثم حَجُّوا في صَفَر عاميْن ، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجَّة أبي بكر التي حجَّها قبل حجَّة الوداع ذا القعدة من السَّنة التاسعة. ثم حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجَّة الوداع فوافقت ذا الحجَّة ، فذلك قوله في خطبته : "إن الزمان قد استدار..." الحديث. أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النَّسِيء. 
(*) وقول ثالث. قال إياس بن معاوية : كان المشركون يحسبون السَّنة اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما ، فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة ، وفي كل شهر من السَّنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة ، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ، ووافق ذلك الأهلة. وهذا القول أشبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الزمان قد استدار..." أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي الذي عينه الله يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ، ونفذ بها حكمه. ثم قال : "السَّنة اثنا عشر شهرا". ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السَّنة ،وهي الخمسة عشر يوما ،بتحكمهم  ، فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجهلي.
(*) واختلف أهل التأويل في أول من نسأ ، فقال ابن عباس وقتادة والضحاك : بنو مالك بن كنانة ، وكانوا ثلاثة.
 وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف. وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة ، ثم كان بعده رجل يقال له : جنادة بن عوف ، وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الزهري : حي من بني كنانة ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس واسمه حذيفة بن عبيد. وفي رواية : مالك بن كنانة. 
وكان الذي يلي النَّسِيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا للاهتمام والمتابعة

اذهب لأعلى الصفحة