المعجزة تتحدث عن نفسها بقدرة الله
أمر الله السيدة مريم الطاهرة العذراء بالصمت عند مواجهة قومها بالطفل الرضيع في قوله تعالى"فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"حملت طفلها وذهبت اليهم فتحقق ماكان يخيفها وهو اتهامها في شرفها وهي الطاهرة "فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا"
فكان الموقف فوق طاقة البشر وماكان ينقذها سوى معجزة تفوق خيالهم لتبرئتها
"فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا"
فأشارت إليه أي : خاطبوه وكلموه ; فإن جوابكم عليه ، وما تبغون من الكلام لديه
فقالوا : كيف تحيليننا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب ، وهو مع ذلك رضيع في مهده ، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء
فجعل الله سبحانه وتعالى هذه المعجزة تنطق بنفسها فكانت خير دفاع حيث جعله الله سبحانه وتعالى يتكلم عن ماهيته وصفاته والتكليف الذي شرَّفه الله به
فكان أول ما تكلم به تفوه به عيسى ابن مريم أن قال "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ" حيث اعترف لربه تعالى بالعبودية ونزَّه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله ، بل هو عبده ورسوله وابن أَمَته ، ثم برَّأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون ، حيث قذفوها ورموها بالزنا بقوله: "آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا" فإن الله لا يُعطي النبوة الا للطاهرين فهي الطاهرة الصِدِّيقة ، جعل ولدها نبيَّاً مرسلاً ، أحد أولي العزم الخمسة الكبار
وبعد أن أكَّد نُبوَّته بدأ بذِكْر صفاته التي أنعم الله عليه بها فقال:"وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ " وذلك أنه حيث كان مكانه دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونزه جنابه عن النقص والعيب; من اتخاذ الصاحبة والولد،
"وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا " وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق العزيز الحميد ; بالصلاة ، والإحسان إلى الخليقة بالزكاة ، وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة
ثم قال : " وَبَرًّا بِوَالِدَتِي " إذ لا والد له سواها ، فسبحان من خلق الخليقة وبرَّأها ، وأعطى كل نفس هداها . "وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا"أي : لست بفظ ولا غليظ ، ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله وطاعته
موقف الإسلام من معجزة عيسى عليه السلام
أكَّد الله تعالى في آياته الكريمة بشرية عيسى وطهارة مريم عليهما السلام فقال:"ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(*)مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (*)وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ(*)فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ"
فترد هذه الآية على افتراءات الجاهلين التي ظلت تدور حول مولد عيسى عليه السلام حيث اختلف أهل ذلك الزمان ، ومن بعدهم عليه وكل منهم حسب هواه ومصلحته ، فمن قائل من اليهود : إنه ولد زنية (وأمه هى الطاهرة )، وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا : هو الله . وقال آخرون : هو ابن الله . وقال المؤمنون : هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . وهؤلاء هم الناجون المثابون
فأكَّد الله أن عيسى عبدٌ مخلوق من امرأة من عباد الله ، فالله لا يعجزه شيء ولا يكرثه ولا يؤوده ، بل هو القدير الفعال لما يشاء
فسبحان الذي هدانا وجعلنا من المسلمين والمؤمنين بمعجزة ميلاد عيسى عليه السلام كما وردت في كتاب الله والتي تعتبر من أساسات العقيدة الإسلامية
فعن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من شهدَ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه ، وأن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه ، وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه ، والجنةُ حقٌّ ، والنارُ حقٌّ ، أدخله اللهُ الجنةَ على ما كان من العملِ "رواه البخاري
تنزيه الله تعالى عن الولد
قال تعالى :
" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (*) اللَّهُ الصَّمَدُ (*) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (*) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"
وقال تعالى
"تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (*) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (*) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا" يقول محمد بن كعب : لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة اى يوم القيامة بقولهم اتخذ الله ولدا
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "يقول الله تعالى :كذَّبني ابنُ آدمَ ولم يكُنْ له ذلك ، وشتمَني ولم يكُنْ له ذلك ، أما تكذيبُه إياي أن يقولَ : إني لن أُعيدَه كما بدأتُه ، وأما شتمُه إياي أن يقولَ : اتخَذ اللهُ ولدًا ، وأنا الصمدُ الذي لم ألِدْ ولم أولَدْ ، ولم يكُنْ لي كفُؤًا أحدٌ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" رواه البخاري
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :" ما أحدٌ أصبرَ على أذًى يسمَعُه من اللهِ تعالَى . إنَّهم يجعلون له نِدًّا ، ويجعلون له ولدًا،وهو مع ذلك يرزقُهم ويعافيهم ويعطيهم " رواه مسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا للاهتمام والمتابعة