أول من سرق الحجر الأسود : هم القرامطة حيث كان أميرهم مَنْصُور الدَّيْلَمِي
وقد كان ذلك في موسم الحج عام 317 هـ ، القصة كما وردت في كتاب البداية والنهاية لابن كثير:
* خرج ركب العراق وأميرهم مَنْصُور الدَّيْلَمِي فوصلوا إلى مكَّة سالمين، وتَوَافَت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج، فما شَعَرُوا إلَّا بِالقِرْمِطِي قد خرج عليهِم في جماعته يوم التَرْوِيَة، فانْتَهَب أموالَهُم واسْتَباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقاً كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر (لَعْنَه اللَّه) على باب الكعبة، والرِّجَال تُصْرَع حوله ، والسيوف تعمل في النَّاس في المسجد الحرام في الشهر الحرام فِي يَوْمِ التَّرْوِيَة ، الَّذي هُوَ مِنْ أَشْرَف الأيام ، وهو يقول: إنا الله وبالله ، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا.
فكان الناس يفرون منهم فيتعَلَّقُون بأَسْتار الكَعبة فَلَا يُجْدِي ذلك عنهم شَيْئًا.
بَلْ يُقْتَلُون وهُمْ كذلك ، ويَطُوفُون فيُقْتَلُون في الطَّوَاف ، وقد كان بَعْض أَهْل الحَدِيث يومئِذٍ يَطُوف ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ أخَذَتْهُ السُّيوف، فلَمَّا وجَبَ أَنْشَد وهو كذلك :
تَرَى الْمُحِبِّين صَرْعَى فِي دِيَارِهِمُ *** كَفِتْيَة الكَهْفِ لَا يَدْرُونَ كم لبثوا
فلما قضى القرمطي ( لعنه الله) أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تُدفن القتلى في بئر زمزم ، ودُفن كثيراً منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام.
ويا حَبَّذا تلْك القِتْلَة وتلك الضجعة، وذلك المدفن والمكان، ومع هذا لم يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُكَفَّنُوا وَلَمْ يصلِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحْرِمُون شهداء في نفس الأمر.
* وهَدَم قُبَّة زَمْزم وأَمَر بِقَلْع باب الكَعْبَة ونَزَع كسْوَتَها عنها، وشَقَّقَها بَيْن أصْحَابه ، وأَمَرَ رجلاً أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه ، فسقط على أم رأسه فمات إلى النار.
فعند ذلك انكف الخبيث عن المِيزَاب، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقْلَعَ الحَجَر الأسود فجاءه رجل فضربه بِمُثْقَل فِي يَدِه وقال : أَيْنَ الطَّيْرُ الْأَبَابِيل ، أَيْنَ الحِجَارَة مِنْ سِجِّيل ؟
ثُمَّ قَلَعَ الحَجَر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم ، فمكث عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْن وَعِشْرِين سَنَة حَتَّى رَدُّوهُ
* ولَمَّا رَجَع القرمطي إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أَمِيرُ مَكَّةَ هُوَ وأَهل بَيْتِه وجُنْدُهُ وسَألَه وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود لِيُوضَع في مَكَانه، وبَذَلَ لَهُ جَمِيع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه ، فقاتَلَهُ أَمِير مَكَّة فقَتَلَهُ القِرْمِطِيُّ وقَتَلَ أَكْثَر أهل بيته، وأهل مكة وجنده واستمر ذاهباً إلى بلاده ومعه الحجر وأَمْوَال الحَجِيجِ
* وقد أَلْحَدَ هذَا اللَّعِين فِي المسجد الحرام إلحاداً لم يسبقه إليه أحدا ولا يلحقه فيه، وسيجازيه عَلَى ذلِك الَّذي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ وِثَاقَهُ أَحَدٌ.
* وإنَّما حَمَلَ هؤلَاء على هذا الصنيع أنهم كفار زَنَادِقَة، وقد كانوا مُمَالِئِين للفَاطِمِيِّين الَّذين نَبَغُوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بِالمَهْدِي، وهو أبو مُحَمَّد عَبِيد اللَّه بن ميمون القداح
وقد كان صباغاً بسلمية، وكان يهودياً فادعى أنه أسلم ثم سافر من سلمية فدخل بِلَاد إفرِيقيَّة، فادَّعَى أَنَّهُ شَرِيف فاطِمِيٌّ، فصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِك طائِفَة كثِيرة مِن البَرْبَر وغيرهم مِن الجَهَلَة ، وصَارَت له دَوْلَة ، فمَلَكَ مدينة سِجِلْمَاسَةَ، ثُمَّ ابْتَنَى مَدِينَة وسَمَّاها المَهْدِيَّة، وكان قَرار مُلْكِه بها، وكان هَؤُلَاء القَرامِطَة يُرَاسِلونَه ويَدْعُون إليْه، ويتَرَامَوْن عَلَيْه، ويُقَال إنَّهُم إنَّما كانُوا يفعَلُون ذلك سِيَاسة ودَوْلة لَا حَقِيقَة لَهُ
* وذكر ابن الْأَثِير أَنَّ المَهْدِي هذا كتب إلى أبي طاهر يلومه على ما فعل بمكة حيث سلط الناس على الكلام فيهم، وانْكَشَفَت أسْرَارُهم الَّتي كانوا يُبْطِنُونها بما ظَهَر مِن صَنِيعِهِم هذا القَبيح، وأمَرَهُ بِرَدِّ ما أخَذَه منها، وعَوْدِهِ إلَيْها.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالسَّمْعِ والطَّاعَة، وأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ ما أَشَار إِلَيْه مِن ذَلِك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا للاهتمام والمتابعة