هو شمويل ويقال أشمويل بن بالى بن علقمة بن يرخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا ، وقال مجاهد : هو أشمويل بن هلفاقا ، ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا ... قصص الأنبياء لابن كثير
* هو من أنبياء بني اسرائيل
قال مقاتل: وهو من ورثة هارون
قال مقاتل: وهو من ورثة هارون
* الزمان بعد موسى عليه السلام لقوله تعالى : "مِنْ بَعْدِ مُوسَى" أي من بعد وفاته ، وقرب نُبوَّة داود عليه السلام ،ففي قصته بدء لأمر داود عليه السلام .
*حكى السدى بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا من أبنائهم جمعا كثيرا وانقطعت النبوة من سبط لاوى ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، فجعلت تدعو الله عزوجل أن يرزقها ولدا ذكرا، فولدت غلاما فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع الله دعائي ... قصص الأنبياء لابن كثير
* قوله تعالى:"إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
وهذه الآية هي خبر عن قوم من بني إسرائيل نالتهم ذِلَّة وغَلبة عدو فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يُؤمَروا به ، فلما أمروا كَعَّ أكثرهم وصبر الأقل فنصرهم الله... تفسير القرطبي
** لماذا سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم شمويل ؟
ورد في تفسير الطبري في قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"
اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم ذلك .
* فقال بعضهم : كان سبب مسألتهم إياه ما :
عن محمد بن إسحاق ، عن وهب بن منبه قال : خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون ، يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله . ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى . ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي ، وهو ابن العجوز . ثم إن الله قبض حزقيل ، وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم ، حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله . فبعث الله إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيا . وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة . وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أحاب ، وكان يسمع منه ويصدقه . فكان إلياس يقيم له أمره . وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله ، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا ، إلا ما كان من ذلك الملك . والملوك متفرقة بالشام ، كل ملك له ناحية منها يأكلها . فقال ذلك الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ، ويراه على هدى من بين أصحابه يوما : يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا ! والله ما أرى فلانا وفلانا( وعدَّدَ ملوكا من ملوك بني إسرائيل ) قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه ، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين ، ما ينقص من دنياهم ، وما نرى لنا عليهم من فضل ، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه ، وعبد الأوثان ، وصنع ما يصنعون . ثم خلف من بعده فيهم اليسع ، فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثم قبضه الله إليه . وخلفت فيهم الخلوف ، وعظمت فيهم الخطايا ، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر ، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو . ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء ، وكان الله قد بارك لهم في جبلهم من إيليا ، لا يدخله عليهم عدو
فلما عظمت أحداثهم ، وتركوا عهد الله إليهم ، نزل بهم عدو فخرجوا إليه ، وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ، ثم زحفوا به ، فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم . فأتي ملكهم إيلاء فأُخبِر أن التابوت قد أُخِذ واستلب ، فمالت عنقه ، فمات كمدا عليه . فمرج أمرهم عليهم ، ووطئهم عدوهم ، حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم ، وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم ، فكانوا لا يقبلون منه شيئا ، يقال له " شمويل " وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد : " إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا "
فقالوا "أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا" أي كيف يملكنا ونحن أحق بالمُلك منه. جروا على سنتهم في تعنيتهم الأنبياء وحيدهم عن أمر الله تعالى فقالوا : "أَنَّى" أي من أي جهة ، ونحن من سبط الملوك وهو ليس كذلك وهو فقير ، فتركوا السبب الأقوى وهو قَدَر الله تعالى وقضاؤه السابق حتى احتج عليهم نبيهم بقوله : "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ" أي اختاره وهو الحجة القاطعة ، وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت ، وهو بسطته في العلم الذي هو مِلاك الإنسان ، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعُدَّته عند اللقاء
* قال ابن عباس : كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجمله وأتمه ؛ وزيادة الجسم مما يهيب العدو
** آيَةَ مُلْكِ طالوت
ورد عند ابن الجوزي في قوله تعالى :" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
* روي عن ابن مسعود ، وابن عباس: أنهم قالوا لنبيهم: إن كنت صادقا ، فأتنا بآية تدل على أنه مَلِك ، فقال لهم ذلك .
* وقال وهب: خيَّرهم ، أي آية يريدون ، فقالوا: أن يَرُدَّ علينا التابوت .
* قال ابن عباس: كان التابوت من عود الشمشار عليه صفائح الذهب ، وكان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالا ، قدَّموه بين أيديهم يستنصرون به ، وفيه السَّكِينة .
وقال وهب بن منبه: كان نحوا من ثلاث أذرع في ذراعين .
قال مقاتل: فلما تفرقت بنو إسرائيل ، وعصوا الأنبياء ، سَلَّط الله عليهم عدوهم ، فغلبوهم عليه .
* وفي "السَّكِينَة" سبعة أقوال:
أحدها: أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان ، رواه أبو الأحوص عن عَلِيّ رضي الله عنه .
والثاني: أنها دابة بمقدار الهرِّ ، لها عينان لها شعاع ، وكانوا إذا التقى الجمعان ، أخرجت يدها ، ونظرت إليهم ، فيهزم الجيش من الرعب . رواه الضحاك عن ابن عباس ، وقال مجاهد: السَّكِينَة لها رأس كرأس الهرَّة ، وجناحان .
والثالث: أنها طست من ذهب من الجنة تغسل فيه قلوب الأنبياء . رواه أبو مالك عن ابن عباس .
والرابع: أنها روح من الله تتكلم ، كانوا إذا اختلفوا في شيء ، كلمتهم وأخبرتهم ببيان ما يريدون ، رواه عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه .
والخامس: أن السَّكِينَة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها ، رواه ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح ، وذهب إلى نحوه الزجاج ، فقال: السَّكِينَة: من السُّكون ، فمعناه: فيه ما تسكنون إليه إذا أتاكم .
والسادس: أن السَّكِينَة معناها هاهنا: الوقار ، رواه معمر عن قتادة .
والسابع: أن السَّكِينَة: الرحمة . قاله الربيع بن أنس .
* وفي البَقِيَّة تسعة أقوال :
أحدها: أنها رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى وعصاه ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي .
والثاني: أنها رضاض الألواح ، ولم يذكر العصا . قاله عكرمة ، وقيل: إنما اتخذ موسى التابوت ليجمع رضاض الألواح فيه .
والثالث: أنها عصا موسى ، والسَّكِينَة ، قاله وهب .
والرابع: عصا موسى ، وعصا هارون ، وثيابهما ، ولوحان من التوراة ، والمنّ ، قاله أبو صالح .
والخامس: أن البَقِيَّة العلم والتوراة ، قاله مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح .
والسادس: أنها رضاض الألواح ، وقَفِيز مِن مَنّ في طست من ذهب ، وعصا موسى وعمامته ، قاله مقاتل .
والسابع أنه قَفِيز مِن مَنّ ورضاض الألواح ، حكاه سفيان الثوري عن بعض العلماء .
والثامن: أنها عصا موسى والنعلان . ذكره الثوري أيضا عن بعض أهل العلم .
والتاسع: أن المراد بالبَقِيَّة: الجهاد في سبيل الله ، وبذلك أمروا ، قاله الضحاك .
* قوله تعالى: "تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ"
وفي المكان الذي حملته منه الملائكة إليهم قولان .
أحدهما: أنه كان مرفوعا مع الملائكة بين السماء والأرض ، منذ خرج عن بني إسرائيل ، قاله الحسن .
والثاني: أنه كان في الأرض .
* وفي أي: مكان كان؟ فيه قولان .
أحدهما: أنه كان في أيدي العمالقة قد دفنوه ، قال ابن عباس: أخذ التابوت قوم جالوت ، فدفنوه في متبرز لهم ، فأخذه الباسور فهلكوا ، ثم أخذه أهل مدينة أخرى ، فأخذهم بلاء ، فهلكوا ، ثم أخذه غيرهم كذلك ، حتى هلكت خمس مدائن ، فأخرجوه على بقرتين ، ووجهوهما إلى بني إسرائيل ، فساقتهما الملائكة .
والثاني: أنه كان في برية التيه ، خلفه فيها يوشع ، ولم يعلموا بمكانه حتى جاءت به الملائكة ،قاله قتادة .
* وفي كيفية مجيء الملائكة به قولان .
أحدهما: أنها جاءت به بأنفسها
قال وهب: قالوا لنبيهم: اجعل لنا وقتا يأتينا فيه ، فقال: الصبح ، فلم يناموا ليلتهم ، ووافت به الملائكة مع الفجر ، فسمعوا حفيف الملائكة تحمله بين السماء والأرض .
والثاني: أن الملائكة جاءت به على عجلة وثورين ، ذكر عن وهب أيضا . فعلى القول الأول: يكون معنى تحمله: تُقِلُّه . وعلى الثاني: يكون معنى حملها إياه: تَسَبُّبِها في حَمْلِه ، قال الزجاج: ويجوز في اللغة أن يقال: حملت الشيء إذا كنت سببا في حمله .
* قال المفسرون: فلما جاءهم التابوت وأقرُّوا له بالمُلك ، تأهَّب للخروج ، فأسرعوا في طاعته ، وخرجوا معه
** خروج الجنود مع طالوت
أحدها: سبعون ألفا ، قاله ابن عباس .
والثاني: ثمانون ألفا ، قاله عكرمة والسدي .
والثالث: مائة ألف ، قاله مقاتل .
وساروا في حر شديد ، فابتلاهم الله بالنهر .
* وفي هذا النهر قولان .
أحدهما: أنه نهر فلسطين قاله ابن عباس والسدي ، والثاني: نهر بين الأردن وفلسطين ، قاله عكرمة ، وقتادة ، والربيع بن أنس
ووجه الحكمة في ابتلائهم به أن يعلم طالوت من له نِيَّة في القتال منهم ، ومن ليس له نِيَّة .
* قوله تعالى:" فَلَيْسَ مِنِّي " أي: ليس من أصحابي .
* قوله تعالى:" إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ " ، أراد المَرَّة الواحدة باليد ، ومن ضمها ، أراد ملء اليد . وزعم مقاتل أن الغُرْفَة كان يشرب منها الرجل ، ودابته ، وخدمه ويملأ قربته . وقال بعض المفسرين: لم يرد به غُرْفَة الكف ، وإنما أراد المرة الواحدة بقربة أو جرة ، أو ما أشبه ذلك .
** عدد المؤمنين مع طالوت
* وفي عدد القليل الذين لم يشربوا إلا غُرْفَة قولان :
أحدهما: أنهم أربعة آلاف ، قاله عكرمة والسدي .
والثاني: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وهو الصحيح ... زاد المسير لابن الجوزي
* قال ابن عباس والسدي : جاز معه في النهر أربعة آلاف رجل فيهم من شرب ، فلما نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهم شاكون في السلاح ، رجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله تعالى عند ذلك وهم عدة أهل بدر : "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" .
وأكثر المفسرين : على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة ، فقال بعضهم : كيف نطيق العدو مع كثرتهم فقال أولو العزم منهم : "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ"... تفسير القرطبي
* وقد روى البخاري :عن البراء رضي اللهُ عنه يقول: حدَّثني أَصحاب مُحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم مِمَّن شهد بدرًا: أنَّهُم كانُوا عِدّة أَصحاب طالُوت، الَّذين جازُوا مَعَهُ النَّهَرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَ مِئَةٍ. قال البَراءُ: لَا واللَّهِ ما جاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ.
* استدل من قال أن طالوت كان نبيا بقوله : "إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ" وأن الله أوحى إليه بذلك وألهمه ، وجعله الإلهام ابتلاء من الله لهم. ومن قال لم يكن نبيا قال : أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر طالوت قومه بهذا ، وإنما وقع هذا الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب ... تفسير القرطبي
** داود عليه السلام يقتل جالوت
قوله تعالى :" وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"
وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم ، ظِلّه ميل ، ويقال : إن البربر مِن نسله ، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس. وقال عكرمة : في تسعين ألفا ، ولما رأى المؤمنون كثرة عدوهم تضرعوا إلى ربهم
قوله تعالى :" فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"
قوله تعالى : "فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ " أي فأنزل الله عليهم النصر ، "وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ" وذلك أن طالوت الملك اختار دَاوُد من بين قومه لقتال جالوت ، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده ، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده
وكان دَاوُد من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنما ، وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت ؛ فلما حضرت الحرب قال في نفسه : لأذهبن إلى رؤية هذه الحرب ، فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه : يا داود خذني فبي تقتل جالوت ، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار ، فخرج جالوت يطلب مبارزا فكعّ الناس عنه حتى قال طالوت : من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكِّمه في مالي ؛ فجاء داود عليه السلام فقال : أنا أبرز إليه وأقتله .. تفسير القرطبي
*حكى السدى بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا من أبنائهم جمعا كثيرا وانقطعت النبوة من سبط لاوى ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، فجعلت تدعو الله عزوجل أن يرزقها ولدا ذكرا، فولدت غلاما فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع الله دعائي ... قصص الأنبياء لابن كثير
* قوله تعالى:"إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
وهذه الآية هي خبر عن قوم من بني إسرائيل نالتهم ذِلَّة وغَلبة عدو فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يُؤمَروا به ، فلما أمروا كَعَّ أكثرهم وصبر الأقل فنصرهم الله... تفسير القرطبي
** لماذا سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم شمويل ؟
ورد في تفسير الطبري في قوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"
اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم ذلك .
* فقال بعضهم : كان سبب مسألتهم إياه ما :
عن محمد بن إسحاق ، عن وهب بن منبه قال : خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون ، يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله . ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى . ثم خلف فيهم حزقيل بن بوزي ، وهو ابن العجوز . ثم إن الله قبض حزقيل ، وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ، ونسوا ما كان من عهد الله إليهم ، حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله . فبعث الله إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيا . وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة . وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أحاب ، وكان يسمع منه ويصدقه . فكان إلياس يقيم له أمره . وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله ، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا ، إلا ما كان من ذلك الملك . والملوك متفرقة بالشام ، كل ملك له ناحية منها يأكلها . فقال ذلك الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ، ويراه على هدى من بين أصحابه يوما : يا إلياس والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا ! والله ما أرى فلانا وفلانا( وعدَّدَ ملوكا من ملوك بني إسرائيل ) قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه ، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين ، ما ينقص من دنياهم ، وما نرى لنا عليهم من فضل ، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه ، وعبد الأوثان ، وصنع ما يصنعون . ثم خلف من بعده فيهم اليسع ، فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثم قبضه الله إليه . وخلفت فيهم الخلوف ، وعظمت فيهم الخطايا ، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر ، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو . ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء ، وكان الله قد بارك لهم في جبلهم من إيليا ، لا يدخله عليهم عدو
فلما عظمت أحداثهم ، وتركوا عهد الله إليهم ، نزل بهم عدو فخرجوا إليه ، وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ، ثم زحفوا به ، فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم . فأتي ملكهم إيلاء فأُخبِر أن التابوت قد أُخِذ واستلب ، فمالت عنقه ، فمات كمدا عليه . فمرج أمرهم عليهم ، ووطئهم عدوهم ، حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم ، وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم ، فكانوا لا يقبلون منه شيئا ، يقال له " شمويل " وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد : " إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا "
* قال ابن إسحاق : فكان من حديثهم فيما حدثني به بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه : .. كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك أنبياءهم . وكان الملك هو يسير بالجموع ، والنبي يُقَوِّم له أمره ويأتيه بالخبر من ربه ، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم ، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم . فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرُّسل ، ففريقا يُكذِّبون فلا يقبلون منه شيئا ، وفريقا يَقتلون .
فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له : "ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " . فقال لهم : إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد . فقالوا : إنما كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه ، أنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد ، فلا يظهر علينا فيها عدو ، فأما إذ بلغ ذلك ، فإنه لا بد من الجهاد ، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ، ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا
* عن حجاج ، عن ابن جريج في قوله : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً " قال : قال ابن عباس : هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان ، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم
* وقال آخرون : كان سبب مسألتهم نبيهم ذلك ما : -
حدثنا أسباط ، عن السدي : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قال : كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة ، وكان ملك العمالقة جالوت ، وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم . وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه . وكان سبط النبوة قد هلكوا ، فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى ، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام ؛ لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها . فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما ، فولدت غلاما فسمته شمعون . فكبر الغلام ، فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه . فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا ، أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ وكان لا يتمن عليه أحدا غيره فدعاه بلحن الشيخ : " يا شماول " فقام الغلام فزعا إلى الشيخ ، فقال : يا أبتاه ، دعوتني ؟ فكره الشيخ أن يقول : " لا " فيفزع الغلام ، فقال : يا بني ارجع فنم ، فرجع فنام . ثم دعاه الثانية ، فأتاه الغلام - أيضا - فقال : دعوتني ؟ فقال : ارجع فنم ، فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني . فلما كانت الثالثة ، ظهر له جبريل فقال : اذهب إلى قومك فبلِّغهم رسالة ربك ، فإن الله قد بعثَك فيهم نبيا . فلما أتاهم كذبوه وقالوا : استعجلت بالنبوة ولم تئن لك . وقالوا : إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، آية من نبوتك . فقال لهم شمعون : عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا
* وورد في قصص الأنبياء لمحمد متولي الشعراوي:
هؤلاء القوم من بني إسرائيل المجتمعين عند نبيهم ،جاءوا بالعلة الموجبة للقتال ، لقد أُخرجوا من ديارهم ، أي بلغ بهم الهوان أن لم تعد لهم ديار ، وبلغ بهم الهوان أن تركوا أبنائهم أسرى أو عبيدا
** اعتراض القوم على مُلك طالوت
* وورد في قصص الأنبياء لمحمد متولي الشعراوي:
هؤلاء القوم من بني إسرائيل المجتمعين عند نبيهم ،جاءوا بالعلة الموجبة للقتال ، لقد أُخرجوا من ديارهم ، أي بلغ بهم الهوان أن لم تعد لهم ديار ، وبلغ بهم الهوان أن تركوا أبنائهم أسرى أو عبيدا
** اعتراض القوم على مُلك طالوت
ورد في تفسير القرطبي في قوله تعالى :" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"
* قوله تعالى : "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً" أي أجابكم إلى ما سألتم ، وكان طالوت سَقَّاء. وقيل : دَبَّاغاً. وقيل : مكاريا ، وكان عالِماً فلذلك رفعه الله على ما يأتي : وكان من سبط بنيامين ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الملك ، وكانت النبوة في بني لاوى ، والمُلك في سبط يهوذا فلذلك أنكروا ، قال وهب بن منبه : لما قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بال ما قالوا ، سأل الله تعالى أن يبعث إليهم ملكا ويدله عليه ؛ فقال الله تعالى له : انظر إلى القَرَن الذي فيه الدُّهن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فَنَشَّ الدُّهن الذي في القَرَن ، فهو مَلِك بني إسرائيل فأدهن رأسه منه ومَلِّكه عليهم. قال : وكان طالوت دَبَّاغا فخرج في ابتغاء دابة أضلَّها ، فقصد شمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فرجا ، فنش الدهن على ما زعموا ، قال : فقام إليه شمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت ، وقال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى بتقديمه ، ثم قال لبني إسرائيل : "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً".فقالوا "أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا" أي كيف يملكنا ونحن أحق بالمُلك منه. جروا على سنتهم في تعنيتهم الأنبياء وحيدهم عن أمر الله تعالى فقالوا : "أَنَّى" أي من أي جهة ، ونحن من سبط الملوك وهو ليس كذلك وهو فقير ، فتركوا السبب الأقوى وهو قَدَر الله تعالى وقضاؤه السابق حتى احتج عليهم نبيهم بقوله : "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ" أي اختاره وهو الحجة القاطعة ، وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت ، وهو بسطته في العلم الذي هو مِلاك الإنسان ، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعُدَّته عند اللقاء
* قال ابن عباس : كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجمله وأتمه ؛ وزيادة الجسم مما يهيب العدو
* وورد في قصص الأنبياء لمحمد متولي الشعراوي:
لقد طلب هؤلاء القوم من نبيهم أن يبعث لهم ملكا ، وكان يكفي النبي يختار لهم الملك ليقاتلوا تحت رايته ، لكنهم كعادتهم في التلكؤ واللجاجة يريدون أن ينقلوا الأمر نقلة ليست من قضايا الدين .. كيف؟ يقول الحق سبحانه " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ، إنهم يريدون الوجاهة والحسب والأصل والمال ، إنهم يسألون النبي المرسل إليهم أن يسأل الله أن يبعث لهم مَلِكا ، فيقول لهم نبيهم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً"، إن النبي المرسل يريد أن يطمئنهم إلى أن إختيارهذا الملك ليس مصدره بشريته إنما أمر الإختيار جاء من عند الله ، لكنهم يدخلون في اللجاجة فيقولون"أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ " ، هذا لأنهم قسموا أنفسهم إلى قسمين : الأول: هو نسل يأخذ النبوة ،وهذا القسم من نسل بنيامين ، والثاني يأخذ الملوكية ، وهو الذي يأتي من نسل لاوي بن يعقوب.
لماعرفوا أن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم ، بدءوا في النظر في صحيفة نسبه فلم يجدوه من نسل الملك أو نسل الأنبياء ، فبدءوا في اللجاجة ورَدّ الأمر على الآمر
ورد عند ابن الجوزي في قوله تعالى :" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
* روي عن ابن مسعود ، وابن عباس: أنهم قالوا لنبيهم: إن كنت صادقا ، فأتنا بآية تدل على أنه مَلِك ، فقال لهم ذلك .
* وقال وهب: خيَّرهم ، أي آية يريدون ، فقالوا: أن يَرُدَّ علينا التابوت .
* قال ابن عباس: كان التابوت من عود الشمشار عليه صفائح الذهب ، وكان يكون مع الأنبياء إذا حضروا قتالا ، قدَّموه بين أيديهم يستنصرون به ، وفيه السَّكِينة .
وقال وهب بن منبه: كان نحوا من ثلاث أذرع في ذراعين .
قال مقاتل: فلما تفرقت بنو إسرائيل ، وعصوا الأنبياء ، سَلَّط الله عليهم عدوهم ، فغلبوهم عليه .
* وفي "السَّكِينَة" سبعة أقوال:
أحدها: أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان ، رواه أبو الأحوص عن عَلِيّ رضي الله عنه .
والثاني: أنها دابة بمقدار الهرِّ ، لها عينان لها شعاع ، وكانوا إذا التقى الجمعان ، أخرجت يدها ، ونظرت إليهم ، فيهزم الجيش من الرعب . رواه الضحاك عن ابن عباس ، وقال مجاهد: السَّكِينَة لها رأس كرأس الهرَّة ، وجناحان .
والثالث: أنها طست من ذهب من الجنة تغسل فيه قلوب الأنبياء . رواه أبو مالك عن ابن عباس .
والرابع: أنها روح من الله تتكلم ، كانوا إذا اختلفوا في شيء ، كلمتهم وأخبرتهم ببيان ما يريدون ، رواه عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه .
والخامس: أن السَّكِينَة ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها ، رواه ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح ، وذهب إلى نحوه الزجاج ، فقال: السَّكِينَة: من السُّكون ، فمعناه: فيه ما تسكنون إليه إذا أتاكم .
والسادس: أن السَّكِينَة معناها هاهنا: الوقار ، رواه معمر عن قتادة .
والسابع: أن السَّكِينَة: الرحمة . قاله الربيع بن أنس .
* وفي البَقِيَّة تسعة أقوال :
أحدها: أنها رضاض الألواح التي تكسرت حين ألقاها موسى وعصاه ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي .
والثاني: أنها رضاض الألواح ، ولم يذكر العصا . قاله عكرمة ، وقيل: إنما اتخذ موسى التابوت ليجمع رضاض الألواح فيه .
والثالث: أنها عصا موسى ، والسَّكِينَة ، قاله وهب .
والرابع: عصا موسى ، وعصا هارون ، وثيابهما ، ولوحان من التوراة ، والمنّ ، قاله أبو صالح .
والخامس: أن البَقِيَّة العلم والتوراة ، قاله مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح .
والسادس: أنها رضاض الألواح ، وقَفِيز مِن مَنّ في طست من ذهب ، وعصا موسى وعمامته ، قاله مقاتل .
والسابع أنه قَفِيز مِن مَنّ ورضاض الألواح ، حكاه سفيان الثوري عن بعض العلماء .
والثامن: أنها عصا موسى والنعلان . ذكره الثوري أيضا عن بعض أهل العلم .
والتاسع: أن المراد بالبَقِيَّة: الجهاد في سبيل الله ، وبذلك أمروا ، قاله الضحاك .
* قوله تعالى: "تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ"
وفي المكان الذي حملته منه الملائكة إليهم قولان .
أحدهما: أنه كان مرفوعا مع الملائكة بين السماء والأرض ، منذ خرج عن بني إسرائيل ، قاله الحسن .
والثاني: أنه كان في الأرض .
* وفي أي: مكان كان؟ فيه قولان .
أحدهما: أنه كان في أيدي العمالقة قد دفنوه ، قال ابن عباس: أخذ التابوت قوم جالوت ، فدفنوه في متبرز لهم ، فأخذه الباسور فهلكوا ، ثم أخذه أهل مدينة أخرى ، فأخذهم بلاء ، فهلكوا ، ثم أخذه غيرهم كذلك ، حتى هلكت خمس مدائن ، فأخرجوه على بقرتين ، ووجهوهما إلى بني إسرائيل ، فساقتهما الملائكة .
والثاني: أنه كان في برية التيه ، خلفه فيها يوشع ، ولم يعلموا بمكانه حتى جاءت به الملائكة ،قاله قتادة .
* وفي كيفية مجيء الملائكة به قولان .
أحدهما: أنها جاءت به بأنفسها
قال وهب: قالوا لنبيهم: اجعل لنا وقتا يأتينا فيه ، فقال: الصبح ، فلم يناموا ليلتهم ، ووافت به الملائكة مع الفجر ، فسمعوا حفيف الملائكة تحمله بين السماء والأرض .
والثاني: أن الملائكة جاءت به على عجلة وثورين ، ذكر عن وهب أيضا . فعلى القول الأول: يكون معنى تحمله: تُقِلُّه . وعلى الثاني: يكون معنى حملها إياه: تَسَبُّبِها في حَمْلِه ، قال الزجاج: ويجوز في اللغة أن يقال: حملت الشيء إذا كنت سببا في حمله .
* قال المفسرون: فلما جاءهم التابوت وأقرُّوا له بالمُلك ، تأهَّب للخروج ، فأسرعوا في طاعته ، وخرجوا معه
** خروج الجنود مع طالوت
ورد في زاد المسير لابن الجوزي في قوله تعالى :" فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"
* في عدد من خرج معه ثلاثة أقوال . أحدها: سبعون ألفا ، قاله ابن عباس .
والثاني: ثمانون ألفا ، قاله عكرمة والسدي .
والثالث: مائة ألف ، قاله مقاتل .
وساروا في حر شديد ، فابتلاهم الله بالنهر .
* وفي هذا النهر قولان .
أحدهما: أنه نهر فلسطين قاله ابن عباس والسدي ، والثاني: نهر بين الأردن وفلسطين ، قاله عكرمة ، وقتادة ، والربيع بن أنس
ووجه الحكمة في ابتلائهم به أن يعلم طالوت من له نِيَّة في القتال منهم ، ومن ليس له نِيَّة .
* قوله تعالى:" فَلَيْسَ مِنِّي " أي: ليس من أصحابي .
* قوله تعالى:" إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ " ، أراد المَرَّة الواحدة باليد ، ومن ضمها ، أراد ملء اليد . وزعم مقاتل أن الغُرْفَة كان يشرب منها الرجل ، ودابته ، وخدمه ويملأ قربته . وقال بعض المفسرين: لم يرد به غُرْفَة الكف ، وإنما أراد المرة الواحدة بقربة أو جرة ، أو ما أشبه ذلك .
** عدد المؤمنين مع طالوت
* وفي عدد القليل الذين لم يشربوا إلا غُرْفَة قولان :
أحدهما: أنهم أربعة آلاف ، قاله عكرمة والسدي .
والثاني: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وهو الصحيح ... زاد المسير لابن الجوزي
* قال ابن عباس والسدي : جاز معه في النهر أربعة آلاف رجل فيهم من شرب ، فلما نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهم شاكون في السلاح ، رجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله تعالى عند ذلك وهم عدة أهل بدر : "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" .
وأكثر المفسرين : على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة ، فقال بعضهم : كيف نطيق العدو مع كثرتهم فقال أولو العزم منهم : "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ"... تفسير القرطبي
* وقد روى البخاري :عن البراء رضي اللهُ عنه يقول: حدَّثني أَصحاب مُحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم مِمَّن شهد بدرًا: أنَّهُم كانُوا عِدّة أَصحاب طالُوت، الَّذين جازُوا مَعَهُ النَّهَرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَ مِئَةٍ. قال البَراءُ: لَا واللَّهِ ما جاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ.
* استدل من قال أن طالوت كان نبيا بقوله : "إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ" وأن الله أوحى إليه بذلك وألهمه ، وجعله الإلهام ابتلاء من الله لهم. ومن قال لم يكن نبيا قال : أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر طالوت قومه بهذا ، وإنما وقع هذا الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب ... تفسير القرطبي
** داود عليه السلام يقتل جالوت
قوله تعالى :" وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"
وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم ، ظِلّه ميل ، ويقال : إن البربر مِن نسله ، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس. وقال عكرمة : في تسعين ألفا ، ولما رأى المؤمنون كثرة عدوهم تضرعوا إلى ربهم
قوله تعالى :" فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"
قوله تعالى : "فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ " أي فأنزل الله عليهم النصر ، "وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ" وذلك أن طالوت الملك اختار دَاوُد من بين قومه لقتال جالوت ، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده ، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده
وكان دَاوُد من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنما ، وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت ؛ فلما حضرت الحرب قال في نفسه : لأذهبن إلى رؤية هذه الحرب ، فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه : يا داود خذني فبي تقتل جالوت ، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار ، فخرج جالوت يطلب مبارزا فكعّ الناس عنه حتى قال طالوت : من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكِّمه في مالي ؛ فجاء داود عليه السلام فقال : أنا أبرز إليه وأقتله .. تفسير القرطبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا للاهتمام والمتابعة