السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

رسالة ترحيب

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

قصة أيوب عليه السلام

هو أيُّوب بن أَموص بن رَازخ بن ردم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم.
* اختلفوا في نسبه فقيل: أيُّوب بن أَموص بن رَازخ بن ردم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، نقل هذا عن كعب وابن إسحاق، وقيل: أيُّوب بن أموص بن زيرح بن رغويل بن عيصو، وقيل: أيُّوب بن ساري بن رغوال بن عيصو، والمشهور هو الأول.
وقال ابن إسحاق: الصَّحيح أنَّه كان من بني إسرائيل، ولم يصح في نسبه شيءٌ إلَّا أنَّ اسم أبيه: آمص، وقيل: كان أبوه ممَّن آمن بإبراهيم عليه السَّلام يوم أُلقي في النار، وكانت أمُّه من ولد لوط بن هاران ، وقال ابنُ الجوزي: وأمُّه بنت لوط عليه السَّلام ...عمدة القاري في شرح صحيح  البخاري
* هو من ذرية إبراهيم، كما قررنا عند قوله تعالى: " وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ " الآيات من أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام ، فالصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحق ، وهو من الانبياء المنصوص على الايحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ " الآية.
* وامرأته قيل: اسمها " ليا " بنت يعقوب، وقيل رحمة بنت أفراثيم بن يوسف   بن يعقوب ، وقيل   ليا بنت منسا   بن يوسف بن يعقوب ، وهذا أشهر ... قصص الأنبياء لابن كثير
* ذكر أهل التفسير أن أيوب عليه السلام كان أغنى أهل زمانه ، وكان كثير الإحسان ... زاد المسير لابن الجوزي
* رُوِي أنَّ أيوب عليه السلام كان خيّاطاً ،و قال الزَّمخشري: كان أيُّوب عليه السَّلام رومياً من ولد إسحاق من إبراهيم عليهم السلام. وقد استنبأه الله وبسطَ عليه الدنيا وكثر أهلُه وماله، كان له سبعة بنين وسبع بنات، وله أصناف البهائم وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكلِّ عبد امرأة وولد ونخيل ،  ورُوِيَ عن مقاتل: أنَّه كان له ثلاثة عشر ولداً، وكان كثير الضِّيافة على مذهب إبراهيم الخليل عليه السَّلام، وكان يكفل الأرامل واليتامى ويحملُ المنقطعين، وما كان يشبعُ حتى يشبعَ الجائعُ، ولا يكتسي حتى يكسوَ العاري، فابتلاهُ الله تعالى بذهابِ ولده؛ انهدمَ عليهم البيتُ فهلكوا، وبذهاب مالهِ، وبالمرض في بدنهِ ... ...عمدة القاري في شرح صحيح  البخاري
* ورد ذكره في القرآن الكريم
في قوله  تعالى: " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ  وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ " وقوله تعالى في سورة ص " وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ  وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ".
عن أخت لحذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ، ثم الصالحون، ثُمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ " صحيح الجامع
* قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه ; من الانعام والعبيد والمواشى، والاراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران.
وحكى ابن عساكر: أنها كلها كانت له.
وكان له أولاد وأهلون كثير.
فسلب منه ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع  من  البلاء ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما ، وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر لله عزوجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه ، وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده وألقى على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها ، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته ، وتقوم بمصلحته ، وضعف حالها وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالاجر ; لتطعمه وتقوم بأوده، رضى الله عنها وأرضاها، وهى صابرة معه على ماحل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة ، ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرا واحتسابا وحمدا وشكرا ، حتى إن المَثَل ليُضرب بصبره عليه السلام ... قصص الأنبياء لابن كثير
* قوله تعالى" نَادَى رَبَّهُ " أي دعاه لأنه غير نداء البشر ،لأن نداء البشر كل مراده الإقبال ، لكن أيوب حينما نادى ربه بمطلوب يريد ان يحققه له ، والضُّر هو  ابتلاء في جسده بمرض أو غيره ، وقالوا : إن الأنبياء لايمرضون مرضا ينفِّر الناس منهم ، ومعنى  الضُّر: هو الإيذاء في الجسد ... قصص الأنبياء لمحمد متولي الشعراوي
* مدة الإبتلاء
* واختلفوا في مدة لبثه في البلاء على أربعة أقوال :
أحدها : ثماني عشرة سنة ، رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والثاني : سبع سنين ، قاله ابن عباس ، وكعب ، ويحيى بن أبي كثير .
والثالث : سبع سنين وأشهر ، قاله الحسن .
والرابع : ثلاث سنين ، قاله وهب .... زاد المسير لابن الجوزي
* سبب طلب أيوب الشفاء من ربه 
* قال السدى: تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها قالت: يا أيوب ; لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحا، فهل  قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالاجر وتطعم أيوب عليه السلام.
ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدا يستخدمها، عمدت فباعت لبعض بنات الاشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير،
فأتت به أيوب، فقال من أين لك هذا ؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسا ، فلما كان الغد لم تجد أحدا فباعت الضفيرة الاخرى بطعام فأتته به، فأنكره أيضا، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقا قال في دعائه: رب " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "... قصص الأنبياء لابن كثير
* يقول ابن الجوزي : وفي سبب سؤاله العافية ستة أقوال :
أحدها : [ أنه ] اشتهى إداما ، فلم تصبه امرأته حتى باعت قرنا من شعرها ، فلما علم ذلك قال : " مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ، رواه الضحاك عن ابن عباس .
والثاني : أن الله تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره الله ، فلما انتهى أجل البلاء ، يسَّر له الدعاء فاستجاب له ، رواه العوفي عن ابن عباس .
والثالث : أن نفرا من بني إسرائيل مروا به ، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه هذا إلا بذنب عظيم ، فعند ذلك قال : مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ، قاله نوف البكالي . وقال عبد الله بن عبيد بن عمير : كان له أخوان ، فأتياه يوما ، فوجدا ريحا ، فقالا : لو كان الله علم منه خيرا ما بلغ به كل هذا ، فما سمع شيئا أشد عليه من ذلك ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ، فصدق وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصا وأنا أعلم مكان عار فصدقني ، فصدق وهما يسمعان ، فخر ساجدا ، ثم قال : اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي ، فكشف الله عز وجل ما به .
والرابع : أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة ، فقال : ليذبح أيوب هذه لي وقد برأ ، فجاءت فأخبرته ، فقال : إن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ، أمرتني أن أذبح لغير الله ! ثم طردها عنه ، فذهبت ، فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق ، خر ساجدا وقال : مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ، قاله الحسن .
والخامس : أن الله تعالى أوحى إليه وهو في عنفوان شبابه : إني مبتليك ، قال : يا رب ; وأين يكون قلبي ؟ قال : عندي ، فصب عليه من البلاء ما سمعتم ، حتى إذا بلغ البلاء منتهاه ، أوحى إليه أني معافيك . قال : يا رب ; وأين يكون قلبي ؟ قال : عندك . قال : مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ، قاله إبراهيم بن شيبان القرميسي فيما حدثنا به عنه .
والسادس : أن الوحي انقطع عنه أربعين يوما ، فخاف هجران ربه ، فقال : " مَسَّنِيَ الضُّرُّ " ، ذكره الماوردي .
فإن قيل : أين الصبر وهذا لفظ الشكوى ؟
فالجواب : أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر ، وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق ... زاد المسير لابن الجوزي 
* ربنا سبحانه حين ناداه أيوب استجاب له وكشف عنه الضُّر ، فهو كان يشتكي من الضُّر  وقلة الأهل ، فلم يكن له عزوة ،فلما استجاب الله دعوته ، أعطى له غجابة دعائه وزاده أشياء لم يطلبها في دعائه ، فكشف عنه الضُّر وآتاه أهله وزاده مثلهم أيضا ، رحمة من عند الله فوق ماطلب ... قصص الأنبياء لمحمد متولي الشعراوي 
* وروي عن أنسٍ أخبرَ أيُّوب عن ضَعفه حين لم يقدِر على النُّهوضِ إلى الصَّلاةِ ولم يشكُه، وكيف يشكُو من قيل له: "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ"  وقيل: إنَّما اشتَكى إليه تلذُّذًا بالنَّجوى لا أنَّه تضرَّر  بالشَّكوى، والشِّكاية إليه غايةُ القربِ، والشِّكايةُ منه غايةُ البُعدِ... إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري
* عن أنس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ نبيَّ اللهِ أيُّوبَ لبث به بلاؤُه ثمانيَ عشرةَ سنةً ، فرفضه القريبُ والبعيدُ ، إلَّا رَجلَيْن من إخوانِه كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدُهما لصاحبِه ذاتَ يومٍ : تعلمُ واللهِ لقد أذنب أيُّوبُ ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين ، فقال له صاحبُه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثمانيَ عشرةَ سنةً لم يرحَمْه اللهُ فيكشِفَ ما به ، فلمَّا راحا إلى أيُّوبَ لم يصبِرِ الرَّجلُ حتَّى ذكر ذلك له ، فقال أيُّوبُ : لا أدري ما تقولان غير أنَّ اللهَ تعالَى يعلمُ أنِّي كنتُ أمرُّ بالرَّجلَيْن يتنازعان ، فيذكران اللهَ فأرجِعُ إلى بيتي فأُكفِّرُ عنهما كراهيةَ أن يُذكَرَ اللهُ إلَّا في حقٍّ ، قال : وكان يخرُجُ إلى حاجتِه فإذا قضَى حاجتَه أمسكته امرأتُه بيدِه حتَّى يبلُغَ ، فلمَّا كان ذاتَ يومٍ أبطأ عليها وأُوحي إلى أيُّوبَ أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فاستبطأته ، فتلقَّته تنظُرُ وقد أقبل عليها قد أذهب اللهُ ما به من البلاءِ وهو أحسنُ ما كان ، فلمَّا رأته قالت : أيْ بارك اللهُ فيك ، هل رأيتَ نبيَّ اللهِ هذا المُبتلَى ، واللهِ على ذلك ما رأيتُ أشبهَ منك إذ كان صحيحًا ، فقال : فإنِّي أنا هو : وكان له أندَران أي ( بيدران ) : أندَرُ للقمحِ وأندَرُ للشَّعيرِ ، فبعث اللهُ سحابتَيْن ، فلمَّا كانت إحداهما على أندرِ القمحِ أفرغت فيه الذَّهبَ حتَّى فاض ، وأفرغت الأخرَى في أندرِ الشَّعيرِ الورِقَ حتَّى فاض "... السلسلة الصحيحة
* عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية، فجاءت امرأته فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله: أين ذهب هذا المبتلى الذى كان هاهنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب ! قالت: أتسخر منى يا عبد الله ؟ فقال: ويحك أنا أيوب قد رَدَّ الله عَلَىَّ جسدي.
قال ابن عباس: ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم، ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إليه: " قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم، فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قربانا، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك ".رواه ابن أبى حاتم.
عن مَعمرعن همَّام عن أَبِي هُريْرة  رضي الله عنه  عن النّبِيّ صلَّى الله علَيْه وسلَّم  قال: "بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جرادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاه  رَبُّهُ : يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى ، قال: بَلَى، يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ" ... رواه  البخاري
حيث كان بنو إسرائيل يغتسلون عُراةً
 فعن هَمَّام عن أبي هريرة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "كانت بنو إسرائيل يغتسلون عُراةً ، ينظر بعضهم إلى بعض .. " رواه  البخاري
الرِّجْل: أي الجماعة العظيمة ،  يَحْثِي: أي يجمع
و عقيب قول أيوب عليه السلام : رب أني مسني الضرُّ، جاءه الوحي بقوله: "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ"  فركضَ فنبع الماء فاغتسلَ وهو عريان فنزلَ عليه رِجْل جراد ... عمدة القاري في شرح صحيح البخاري
* وقوله: "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ"  أي اضرب الارض برجلك، فامتثل ما أمر به ، فأنبع الله له عينا باردة الماء، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يحده من الالم والاذى، والسقم والمرض، الذى كان في جسده ظاهرا وباطنا، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالا تاما ومالا كثيرا ; حتى صب له من المال صبا، مطرا عظيما جرادا من ذهب ، وأخلف الله له أهله، كما قال تعالى: " وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ " فقيل أحياهم الله بأعيانهم، وقيل آجره فيمن سلف، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة... قصص الأنبياء لابن كثير
يقول ابن الجوزي : قوله تعالى : "وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ  " يعني : أولاده ،وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ " فيه أربعة أقوال :
أحدها : أن الله تعالى أحيا له أهله بأعيانهم ، وآتاه مثلهم معهم في الدنيا ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وقتادة . وروى أبو صالح عن ابن عباس : كانت امرأته ولدت له سبعة بنين وسبع بنات ، فنشروا له ، وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات .
والثاني : أنهم كانوا قد غيبوا عنه ولم يموتوا ، فآتاه إياهم في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة ، رواه هشام عن الحسن .
والثالث : آتاه الله أجور أهله في الآخرة ، وآتاه مثلهم في الدنيا ، قاله نوف ومجاهد .
والرابع : آتاه أهله ومثلهم معهم في الآخرة ، حكاه الزجاج .... زاد المسير لابن الجوزي
* وقوله: " رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا " أي رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر، رحمة منا به ورأفة وإحسانا ، " وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبى الله أيوب ; حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه ، وقال الضحاك عن ابن عباس: رد  الله  إلى زوجته شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا ... قصص الأنبياء لابن كثير
** سبب حَلِفه ليضْرِبَنَّ امرأته مائة سَوط
* لما عافاه الله عز وجل  تذكر نبي الله قسمه بضرب زوجته (ولم يكن في شريعته كفارة اليمين )أوحي اليه بأن يجمع مائة عود  في قبضة واحدة ويضربها مرة واحدة فقط وبهذا يبر بقسمه  ولا يحنث 
* وقوله: " وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حَلِفه ليضْرِبَنَّ امرأته مائة سَوط .
فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها 
وقيل لانه عارضها  الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربنها مائة سوط 
* فلما عافاه الله عزوجل أفتاه أن يأخذ ضغثا وهو كالعثكال الذى يجمع الشماريخ، فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط ويبَرّ ولا يحنث.
وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة، المكابدة الصديقة البارة الراشدة، رضى الله عنها ، ولهذا عقَّب الله الرخصة وعللها بقوله: " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ".... قصص الأنبياء لابن كثير
* قوله: " وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ" 
في سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال .
أحدها: أن إبليس جلس في طريق زوجة أيوب كأنه طبيب، فقالت له: يا عبد الله: إن ها هنا إنسانا مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم، إن شاء شفيته، على أن يقول إذا برأ: أنت شفيتني، فجاءت فأخبرته، فقال: ذاك الشيطان، لله علي إن شفاني أن أجلدك مائة جلدة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .
والثاني: أن إبليس لقيها فقال: إني أنا الذي فعلت بأيوب ما به، وأنا إله الأرض، وما أخذته منه فهو بيدي، فانطلقي أريك، فمشى بها غير بعيد، ثم سحر بصرها، فأراها واديا عميقا فيه أهلها وولدها ومالها، فأتت أيوب فأخبرته، فقال: ذاك الشيطان، ويحك كيف وعى قوله سمعك؟ والله لئن شفاني الله عز وجل لأجلدنك مائة، قاله وهب بن منبه .
والثالث: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة، فقال: ليذبح لي هذه وقد برأ; فأخبرته، فحلف ليجلدنها، فأما الضغث، فقال الفراء: هو كل ما جمعته من شيء مثل الحزمة الرطبة، قال: وما قام على ساق واستطال ثم جمعته، فهو ضغث . وقال ابن قتيبة : هو الحزمة من الخلال والعيدان . قال الزجاج : هو الحزمة من الحشيش والريحان وما أشبهه . قال المفسرون: جزى الله زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها فسهل الأمر، فجمع لها مائة عود، وقيل: مائة سنبلة، وقيل: كانت أسلا، وقيل: من الإذخر، وقيل: كانت شماريخ، فضربها بها ضربة واحدة ولم يحنث في يمينه ... زاد المسير لابن الجوزي
* وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ، وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ: أن أيوب عليه السلام لما توفى كان عمره ثلاثا وتسعين سنة، وقيل إنه عاش أكثر من ذلك ، وأنه أوصى إلى ولده : حومل ، وقام بالامر بعده ولده : بشر  ابن أيوب، وهو الذى يزعم كثير من الناس أنه : ذوالكفل  .... قصص الأنبياء لابن كثير
وقال الطَّبري وابنِ الجوزي: كان عُمره حين مات ثلاثاً وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة وستاً وأربعين سنة، ودُفن في الموضع الذي ذهبَ فيه بلاؤه، وهو بالبُثينة بالشَّام، وقبرُه ظاهر بها ... عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا للاهتمام والمتابعة

اذهب لأعلى الصفحة