** قصة بلقيس
تبدأ القصة بغياب الهدهد من مجلس سليمان عليه السلام واكتشاف سليمان لهذا الغياب
* [ قال تعالى :" وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ "
التفقُّد من سليمان عليه السلام يدل على المتابعة ، وكان محتاجاً للهدهد ، فبحث عنه فلم يجده ، لأن سليمان كان يريد أن يقوم برحلة في الصحراء ، والهدهد خبير في منابع المياه في الأرض ، فهو يرى الماء في الأرض ، ولذلك جعل الله له منقاراً طويلاً ، لأن ميزته أنه يأكل أي شئ على سطح الأرض ،بل يأكل مما اختبأ تحت سطح الأرض
* والهدهد لما كان غيابه بدون إذن سليمان ، قال سليمان: "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " ، وهذا ليس جبروتا من سليمان ولكنه حزم ، ومع ذلك علّق أمر العقوبة على حُجّة الهدهد ... قصص الأنبياء للشعراوي
* قال تعالى :" فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ "
[ يُذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة المُتَوَّجِين، وكان المُلْك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم لم يخلِّف غيرها فملَّكوها عليهم
* قوله تعالى "وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" أي مما من شأنه أن تؤتاه الملوك ، "وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ " يعني سرير مملكتها ، الذي كان مزخرفا بأنواع الجواهر واللآلئ والذهب والحلي الباهر ، "وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ" ثم ذكر كُفرُهم بالله وعبادتهم الشمس من دون الله ، وإضلال الشيطان لهم وصَدِّه إيَّاهم عن عبادة الله وحده لا شريك له ، " اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " فبعث معه سليمان ، عليه السلام ، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله والخضوع لمُلكِه وسُلطَانه ولهذا قال " أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ "
* ذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها وهي في خلوة لها ثم وقف ناحية ينتظر جوابها عن كتابه ، فجمعت أمراءها ووزراءها وأكابر دولتها لمشورتها، ثم قرأته " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ،إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
" ثم شاورتهم في أمرها وما قد حل بها ، وتأدبت معهم وخاطبتهم وهم يسمعون " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ "،تعني ماكنت لابت أمرا إلا وأنتم حاضرون ، " قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ " يعنون : إن لنا قوة وقدرة على القتال والمقاومة
* فوَّضوا إليها الأمر ; لتَرَى الأَرْشَد لها ولهم ، " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " تقول برأيها السديد : إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة ، لم يخلص الأمر من بينكم إلا إلَيّ ،ولم تكن الحِدّة والشِّدَّة والسطوَة البليغة إلا عَلَيّ " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " فأرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها بهدية ترسلها
* " فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ"
ثم قال لرسولها إليه " ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ " أي إرجع بهديتك إلى مَن قد مَنَّ بِهَا ، فإن عندي مما قد أنعم الله عَلَيّ ما هو أضعاف هذا ، وخير من هذا الذي أنتم تفرَحُون بِه وتَفخَرُون بسببه ، فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم ولا نزالهم ولا ممانعتهم ولا قتالهم ، ولأخرجنَّهم من بلدهم ودولتهم صاغرون
* فلما بلغهم ذلك عن نبي الله ،فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة ، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين خاضعين ، فلما سمع بقدومهم عليه، قال لمن بين يديه مِمَّن هو مسخر له من الجان ما قصه الله عنه في القرآن :" قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ، قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ، وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "النمل
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس ، قبل قدومها فقال أَحَدُ الجان أنا آتيك به قبل أن ينقضي مجلس حكمك وإني لذو قوة على إحضاره إليك ، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة التي علي العرش
وقال آخر: أنا آتيك به قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته ، فلما رأى عرش بلقيس مستقرًا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس ، في طرفة عين قال هذا من فضل الله علي ، ليختبرني على الشكر ،" وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ " فمن شكر الله إنما يعود نفع ذلك عليه ،" وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " ومن كَفَر ولم يشكر الله فالله غني عن شُكر الشاكرين ، ولا يتضرر بكفر الكافرين ] ... قصص الأنبياء لابن كثير
** تنكير العرش
* [ لما جاء العرش واستقر عند سليمان عليه السلام أمر بنصبه وتجهيزه ، وهو يريد أن يختبرها اختباراً عقليا واختباراً ايمانيًّا ، فقال لهم " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ "
وكلمة "نَكِّرُوا" عكس عرِّفوا ، فعرشها جاء على هيئته كما كان في سبأ ، فلو أنها جاءت ورأته هو ستعرفه بسهوله ، ولا يعرف سليمان ذكاءها في الجواب ، فأمرهم أن يغيِّروا بعض معالمه
* وحينما سألها حاول أن يعمّى عليها السؤال فقال : " أَهَكَذَا عَرْشُكِ " فكأنه يقول لها: إن هذا ليس عرشك، ولكنه قال : هل عرشك مثل هذا؟ ، فهو يريد أن يختبرها فصعَّب عليها السؤال ، فنظرت الى العَرْش فوجدته مثل عرشها ، ولكن التنكير الذي حدث يدل على أنه ليس عرشها ، فجاءت بجواب يحتمل الحالتين " قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ " فعرف سليمان أنها ذكية وحصيفة وعاقلة ، وبالنسبة لهداية الإيمان ، فهي لكي تعرف أنها تركت عرشها هناك في بلادها وجاءت الى سليمان ، فكيف جاء سليمان بالعرش بهذه السرعة مع أنها تركته خلفها ؟! فلابد أن هذه قدرة فوق مستوى البشر ، وقول سليمان " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي"
أي تهتدي إلى جواب يجمع الأمرين ، في النكر وهو عرشها أو تهتدي إلى أن الذي صنع ذلك إنما يكون مؤيدا من الله بأسرار الكتاب ، فنقل العرش بهذه السرعة فتؤمن] ... قصص الأنبياء للشعراوي
* وكان سليمان قد أمر ببناء صَرْح من زجاج ، وعمل في مَمَرِّه ماء ، وجعل عليه سَقفا مِن زجاج وجعل فيه من السَّمك وغيرها من دواب الماء ، وأُمرت بدخول الصَّرح وسليمان جالس على عرشه فيه ، فلما رأته حسبته ماء ، وكشفت عن ساقيها ، فقال لها إنه صرح ممرد من الزجاج ، " قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
* عنِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال : أغفلَ الناسُ آيةً من كتابِ اللهِ لم ينزلْ على أحدٍ سوى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أن يكونَ سليمانُ بنُ داود عليْهما السلامُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ... موافقة الخبر الخبر لابن حجر العسقلاني
تبدأ القصة بغياب الهدهد من مجلس سليمان عليه السلام واكتشاف سليمان لهذا الغياب
* [ قال تعالى :" وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ "
التفقُّد من سليمان عليه السلام يدل على المتابعة ، وكان محتاجاً للهدهد ، فبحث عنه فلم يجده ، لأن سليمان كان يريد أن يقوم برحلة في الصحراء ، والهدهد خبير في منابع المياه في الأرض ، فهو يرى الماء في الأرض ، ولذلك جعل الله له منقاراً طويلاً ، لأن ميزته أنه يأكل أي شئ على سطح الأرض ،بل يأكل مما اختبأ تحت سطح الأرض
* والهدهد لما كان غيابه بدون إذن سليمان ، قال سليمان: "لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " ، وهذا ليس جبروتا من سليمان ولكنه حزم ، ومع ذلك علّق أمر العقوبة على حُجّة الهدهد ... قصص الأنبياء للشعراوي
* قال تعالى :" فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ "
[ يُذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة المُتَوَّجِين، وكان المُلْك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم لم يخلِّف غيرها فملَّكوها عليهم
* قوله تعالى "وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" أي مما من شأنه أن تؤتاه الملوك ، "وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ " يعني سرير مملكتها ، الذي كان مزخرفا بأنواع الجواهر واللآلئ والذهب والحلي الباهر ، "وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ" ثم ذكر كُفرُهم بالله وعبادتهم الشمس من دون الله ، وإضلال الشيطان لهم وصَدِّه إيَّاهم عن عبادة الله وحده لا شريك له ، " اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ " فبعث معه سليمان ، عليه السلام ، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله والخضوع لمُلكِه وسُلطَانه ولهذا قال " أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ "
* ذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها وهي في خلوة لها ثم وقف ناحية ينتظر جوابها عن كتابه ، فجمعت أمراءها ووزراءها وأكابر دولتها لمشورتها، ثم قرأته " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ،إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
" ثم شاورتهم في أمرها وما قد حل بها ، وتأدبت معهم وخاطبتهم وهم يسمعون " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ "،تعني ماكنت لابت أمرا إلا وأنتم حاضرون ، " قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ " يعنون : إن لنا قوة وقدرة على القتال والمقاومة
* فوَّضوا إليها الأمر ; لتَرَى الأَرْشَد لها ولهم ، " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " تقول برأيها السديد : إن هذا الملك لو قد غلب على هذه المملكة ، لم يخلص الأمر من بينكم إلا إلَيّ ،ولم تكن الحِدّة والشِّدَّة والسطوَة البليغة إلا عَلَيّ " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " فأرادت أن تصانع عن نفسها وأهل مملكتها بهدية ترسلها
* " فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ"
ثم قال لرسولها إليه " ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ " أي إرجع بهديتك إلى مَن قد مَنَّ بِهَا ، فإن عندي مما قد أنعم الله عَلَيّ ما هو أضعاف هذا ، وخير من هذا الذي أنتم تفرَحُون بِه وتَفخَرُون بسببه ، فلأبعثن إليهم بجنود لا يستطيعون دفاعهم ولا نزالهم ولا ممانعتهم ولا قتالهم ، ولأخرجنَّهم من بلدهم ودولتهم صاغرون
* فلما بلغهم ذلك عن نبي الله ،فبادروا إلى إجابته في تلك الساعة ، وأقبلوا صحبة الملكة أجمعين خاضعين ، فلما سمع بقدومهم عليه، قال لمن بين يديه مِمَّن هو مسخر له من الجان ما قصه الله عنه في القرآن :" قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ، قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ، وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "النمل
لما طلب سليمان من الجان أن يحضروا له عرش بلقيس ، قبل قدومها فقال أَحَدُ الجان أنا آتيك به قبل أن ينقضي مجلس حكمك وإني لذو قوة على إحضاره إليك ، وأمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة التي علي العرش
وقال آخر: أنا آتيك به قبل أن يرجع إليك طرفك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته ، فلما رأى عرش بلقيس مستقرًا عنده في هذه المدة القريبة من بلاد اليمن إلى بيت المقدس ، في طرفة عين قال هذا من فضل الله علي ، ليختبرني على الشكر ،" وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ " فمن شكر الله إنما يعود نفع ذلك عليه ،" وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ " ومن كَفَر ولم يشكر الله فالله غني عن شُكر الشاكرين ، ولا يتضرر بكفر الكافرين ] ... قصص الأنبياء لابن كثير
** تنكير العرش
* [ لما جاء العرش واستقر عند سليمان عليه السلام أمر بنصبه وتجهيزه ، وهو يريد أن يختبرها اختباراً عقليا واختباراً ايمانيًّا ، فقال لهم " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ "
وكلمة "نَكِّرُوا" عكس عرِّفوا ، فعرشها جاء على هيئته كما كان في سبأ ، فلو أنها جاءت ورأته هو ستعرفه بسهوله ، ولا يعرف سليمان ذكاءها في الجواب ، فأمرهم أن يغيِّروا بعض معالمه
* وحينما سألها حاول أن يعمّى عليها السؤال فقال : " أَهَكَذَا عَرْشُكِ " فكأنه يقول لها: إن هذا ليس عرشك، ولكنه قال : هل عرشك مثل هذا؟ ، فهو يريد أن يختبرها فصعَّب عليها السؤال ، فنظرت الى العَرْش فوجدته مثل عرشها ، ولكن التنكير الذي حدث يدل على أنه ليس عرشها ، فجاءت بجواب يحتمل الحالتين " قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ " فعرف سليمان أنها ذكية وحصيفة وعاقلة ، وبالنسبة لهداية الإيمان ، فهي لكي تعرف أنها تركت عرشها هناك في بلادها وجاءت الى سليمان ، فكيف جاء سليمان بالعرش بهذه السرعة مع أنها تركته خلفها ؟! فلابد أن هذه قدرة فوق مستوى البشر ، وقول سليمان " نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي"
أي تهتدي إلى جواب يجمع الأمرين ، في النكر وهو عرشها أو تهتدي إلى أن الذي صنع ذلك إنما يكون مؤيدا من الله بأسرار الكتاب ، فنقل العرش بهذه السرعة فتؤمن] ... قصص الأنبياء للشعراوي
* وكان سليمان قد أمر ببناء صَرْح من زجاج ، وعمل في مَمَرِّه ماء ، وجعل عليه سَقفا مِن زجاج وجعل فيه من السَّمك وغيرها من دواب الماء ، وأُمرت بدخول الصَّرح وسليمان جالس على عرشه فيه ، فلما رأته حسبته ماء ، وكشفت عن ساقيها ، فقال لها إنه صرح ممرد من الزجاج ، " قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
* عنِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال : أغفلَ الناسُ آيةً من كتابِ اللهِ لم ينزلْ على أحدٍ سوى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أن يكونَ سليمانُ بنُ داود عليْهما السلامُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ... موافقة الخبر الخبر لابن حجر العسقلاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا للاهتمام والمتابعة