السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

رسالة ترحيب

الثلاثاء، 30 يناير 2018

موسى الكليم والسَحَرة (قصة موسى عليه السلام)

طلب موسى  من ربِّه  أن يجعل معه أخاه هارون ليسانده امام الفرعون فطمأنه الله تعالى بأنه سيُعز جانبه بأخيه ، الذي طلب أن يكون نبيا معه
*وقد ذكر ابن كثير قول بعض السلف عن موسى عليه السلام: ليس أحد أعظم مِنَّةً على أخيه من موسى على هارون ، عليهما السلام ، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون ومَلَئِهِ ، ولهذا قال الله تعالى في حق موسى :"وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا"سورة الأحزاب
*وبالفعل ذهبا إلى الفرعون وطالت بينهما المُناظرة  التي انتهت بتحديد يوم الزينة ليقف موسى أمام  السَّحَرَة ، الذين جمعهم فرعون من كل أنحاء مملكته، فقيل كانوا سبعين ساحراً ، وقيل:اثنين وسبعين ،وقيل:خمسة عشر ألفاً ، وقيل : كانوا ثمانين ألفاً وقيل :كان رؤساؤهم وصفوتهم سبعين ساحراً وآلاف السَّحَرَة تحت طوعهم وقد وعدهم فرعون بمنزلة كبيرة إنْ انتصروا على موسى وأخيه عليهما السلام 
موسي والسَّحَرَة يوم الزينة
*وجاء موسى ومعه أخوه هارون وبيده عصاه ووقفا بين الجَمْع وكان فرعون في مجلسه مع أشراف قومه ، فقال موسى للسَّحَرَة حين جاءهم : "وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ"سورة طه. 
فقال السَّحَرَة بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر !.. وقد أثَّر فيهم كلام موسى وأخافهم فأخبرنا تعالى بقوله:"فتنازعوا أَمْرَهُمْ"سورة طه
فأخذوا يتبادلون الآراء ويتحدثون سِراً دليل خوفهم من كلام موسى حيث قال تعالى "وَأَسَرُّواْ النجوى" سورة طه
وقرروا خلال مناقشتهم: الإستمرار في التَّحدِّي وأن يأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة والمكر والخديعة ليتفوقواعليهما حيث ظنُّوا أن موسى وأخاه هارون ساحران ،عليمان و متقنان في السِّحر ، ويريدان أن تعلو مكانتهم عند الفرعون بدلاً منهم "قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى" سورة طه
وبدأت المواجهة فقال السَّحَرَة : "قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ*قَالَ بَلْ أَلْقُوا"سورة طه
فألقوا حبالهم وعصيهم وأقسموا بعزة فرعون أنهم الغالبون
"فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ"سورة الشعراء
وإذا بالعِصِيّ والحبال يراها الناس حيَّات وثعابين  وقد ملأت المكان  بعضها فوق بعض ،وقيل: إنهم وضعوا بها الزئبق، فلما حَمِيَتْ عليه الشمس تمدّد، فصارتْ الأشياء تتلوّى وتتحرك
ومهما كانت وسائلهم فهي في النهاية  تخيُّلات في عين الرائي ,لكن السَّحَرَة  فيرونها حِبَالاً وعِصِيّ على حقيقتها
أما موسى فقد أوجس  في نفسه خوفاً ،ويوضح الشيخ شعراوي في تفسيره أن شعور موسى  بالخوف لما رأى حبال السحرة وعِصيّهم تتحول أمام الناظرين إلى حيَّات وثعابين، لأنه ربما اكتفى المشاهدون بما رأَوْه  من السَّحَرَة فهَرَجُوا عليه وأنْهَوا الموقف قبل أنْ يتمكّن هو من عمل شيء 
 *أوحى الله إليه نبيِّه:"وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا" سورة طه 
فألقى موسى عصاه من يده بأمر مباشر من الله عز وجل :"وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" سورة طه
فصارت العَصَى ثعباناً عظيماً فأقبلت  على ما ألقوه من حبالهم وعِصِّيهم ، وهي كالحيَّات في أعين الناس ، فجعلت تلقفها وتبتلعها حتى لم تبق منها شيئا وكلمة "تَلْقَفْ" توضح  الحركة السريعة في التهامها لما أخذتُه، ثم أخذ موسى عصاه فإذا هي في يده كما كانت. 
ايمان السَّحَرَة
*تعجب الناظرين من المفاجأة أما السَّحَرَة فإنهم رأوا ما هالَهم وحيَّرهم في أمرهم ، فقد شاهدوا  أمراً لم يكن في  بالِهم ، ولا يدخل تحت صناعاتهم  فلم يخالطهم شكٌّ في أنها معجزة بعيدة عَمّا يصنعونه من السحر؛ لذلك لم يترَدَّدُوا في إعلان إيمانهم برب موسى وهارون.."فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا "سورة طه
*فقد تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا خيال ولا زور  بل حق لا يقدر عليه إلا القدير ، وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة ، وأنارها بالهدى فأنابوا إلى ربهم ، وخروا له ساجدين ، وقالوا جهرة ولم يخشوا فرعون : "آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى" سورة طه
*لما رأى فرعون هؤلاء السَّحَرَة قد أسلموا  أمام الناس خاف على مُلْكِه ففزع  وأعمى ذلك بصيرته  فقال مخاطبا للسَّحَرَة ومهددا لهم "قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ"سورة طه
ولكن السَّحَرَة لم يتغير موقفهم رغم مايعرفوه عن ظلم الفرعون وكان أملهم أن الإيمان بالله وكونهم أول المؤمنين سيكون سبباً في أن يغفر الله خطاياهم ويغفر لهم ما أكرههم عليه الفرعون من  السِّحر فلم يهتموا بأي تهديد قائلين"فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ"
وقد ذكر القرآن الكريم موقفهم العظيم وثباتهم على الحق  في اكثر من موضع:
"قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ"سورة طه 
"قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ"سورة الْأَعْرَاف
"قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ"سورة الشُّعَرَاءِ
"قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا"سورة ص
أقوال العلماء عن سَّحَرَة فرعون
 *قال الزجَّاج : عجيب أمر هؤلاء، فقد ألقوا حبالهم وعِصيّهم للكفر والجحود، فإذا بهم يُلْقُون أنفسهم للشكر والسجود
*قال عبد الله بن عباس:كانوا من أول النهار سَّحَرَة ، فصاروا من آخره شُهَدَاءَ بَرَرَةً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا للاهتمام والمتابعة

اذهب لأعلى الصفحة